الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
أخبار الآحاد
49797 مشاهدة
اعتناء السلف بالحديث النبوي


   لما عرف الصحابة رضي الله عنهم أهمية هذا العلم حرصوا على تلقيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، فأكثروا ملازمته، وآثروا مجالسته على العمل في أموالهم، وأسباب ارتزاقهم، وربما أناب بعضهم من يحضر مجلسه ويبلغه ما فاته من العلم، كما فعل عمر بن الخطاب مع جاره الأنصاري .
   ولقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن تعليمهم، وإيصال المعنى إلى أفهامهم فكان يستعمل ألوانا من وسائل الإيضاح والبيان، كالعرض والمناقشة وضرب الأمثلة، وتكرير الكلام ليفهم عنه، فكانوا يتلقون عنه في المجالس والنوادي وعلى المنابر، في السفر والحضر، فما قبضه الله إلا وقد علمهم كل شيء يحتاجون إليه كما شهد له بذلك بعض أعدائه من اليهود، كما روى مسلم عن سلمان أن بعض اليهود قالوا له: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل. الحديث .
   وبعد أن توفاه الله عرف أصحابه أن هذا العلم الذي تلقوه عنه أمانة في أعناقهم، يلزمهم بيانه للناس كي لا يلحقهم وعيد الذين قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ .

  وهكذا عرف تلامذتهم منزلة هذا العلم من الدين الذي كلفوا به، مما حمل الجميع على بذل الجهد في التعلم والتعليم فعمروا بهذا الحديث مجالسهم، وصار طلبه جل مقاصدهم، وتحملوا في تحصيله المشاق وقطعوا المراحل الكثيرة، كما روي عن ابن عباس أنه قال: كان يبلغني الحديث عن بعض الصحابة فآتي إليه وهو قائل، وأجلس عند الباب، تسفي الريح في وجهي التراب حتى يستيقظ رواه الحاكم .
واشتهر عن جابر رضي الله عنه أنه سافر إلى الشام لأخذ حديث واحد من عبد الله بن أنيس كما رواه أحمد وأبو يعلى وغيرهما . وكذا أبو أيوب سافر إلى مصر من المدينة ليروي حديثا واحدا عن عقبة بن عامر ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم .
  وكانوا بعد سماعه يتذاكرونه، ويعرضه بعضهم على بعض ليتأكد كل منهم صحة ما حفظه، وربما كرره الواحد زمنا طويلا حتى يحفظه، كما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يجعل جزءا من الليل لدراسة الحديث ليبقى في ذاكرته. ذكره ابن جريج وغيره .
   وقد خصهم الله بزيادة في الحفظ فاقوا بها من بعدهم بكثير وعنهم في ذلك روايات عجيبة وربما استعان بعضهم على الحفظ بالكتابة حتى يحفظ، وبالجملة فقد أثر عن سلفنا من العناية بالحديث والاهتمام بشأنه ما به حقق الله حفظ هذه الشريعة وحماية مصادرها، فرحمهم الله وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.